@okaz_online
قبَل أيام فقط من أعياد الميلاد، وبينما كان صناع القرار في الولايات المتّحدة يستعدّون للاحتفالات أجرت إيران مناورات حربيّة واسعة النطاق، وفي الوقت نفسه تقريبا، قام قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، بمسح البقايا من حلب التي تعرضت للقصف الشديد. ويبدو أن سليماني يظهر حاليا بشكل بارز حيثما ينشر الإيرانيّون ميليشيات شيعيّة لإضعاف بعض دول في الشرق الأوسط،. وسواء كانت إيران تهدّد بإشعال المنطقة أو تستخدم الميليشيات الشيعيّة كأداة لبسط سلطتها، فإنّ الولايات المتحدة تشهد نمطا من العدوان الإيرانيّ الذي تسارع خلال العام الأخير منذ بدء تنفيذ الاتّفاق النووي مع إيران.
وبينما تستعرض طهران قوّتها العسكريّة وتهدّد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ظلّ رَدّ واشنطن، للأسف، صامتا. وتجاهلت إدارة أوباما مرارا وتكرارا الطبيعة الشاملة للتهديد الإيرانيّ وتصرّفت ببرود إزاء العقوبات غير النوويّة، خشية أن تتخلى إيران - على ما يبدو - عن الاتّفاق النووي. وكنتيجة لذلك، أصبح قادة إيران أكثر جرأة، وأخذت بصمات إيران تزداد باضطراد في بعض أنحاء المنطقة، الأمر الذي يثير قلق حلفاء أمريكا التقليديّين.
لقد تحدّثنا علنا في الماضي عن مساوئ «خطة العمل المشتركة الشاملة» التي لم توقف في النهاية مسار إيران النوويّ بل أجّلته فقط - وعن الثمن الباهظ في التخلّي عن النفوذ الغربيّ ضدّ إيران، ولكي تردّ إدارة ترمب الجديدة بفعالية، لا ينبغي عليها أن تمزّق الاتّفاقيّة في اليوم الأوّل، فمن شأن ذلك أن يجعل الإجراءات الأمريكيّة هي المسألة التي تثير إشكالا وليس السلوك الإيرانيّ المهدد والمزعزع للاستقرار. وعلى الولايات المتحدة أن تعزل إيران. وتحقيقا لهذه الغاية، على إدارة ترمب اعتماد إستراتيجيّة أكثر توسّعا حيال طهران: وبالتحديد من خلال معالجة تلك القضايا الحيويّة خارج نطاق الاتّفاق، وبشكل خاصّ تدخّل إيران المزمن في المنطقة.
إن تبنّي حملة ضغط جديدة على إيران يمكن أن يساعد على عكس مجرى الأحداث، ولا تعاني الولايات المتّحدة من نقص في الوسائل للتأثير على سلوك إيران. ويشكّل فرض بنية العقوبات القائمة، بقوّة، وسيلة جيّدة كبداية.
وللمباشرة بذلك، تستطيع إدارة ترمب التحرّك بسرعة من خلال الضغط على فرض الحظر الذي وضعته الأمم المتّحدة على سفر شخصيّات أساسيّة في القيادة الإيرانيّة، مثل سليماني، كما باستطاعتها اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران لإطلاقها صواريخ بالستيّة واستمرار شحنات الأسلحة التي ترسلها إلى اليمن، منتهكة بذلك الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على نقل الأسلحة إلى تلك البلاد. ومثل هذا السلوك يتحدّى مباشرة قرار الأمم المتّحدة رقم 2231، ويُعد مثالا على افتقار إيران إلى المساءلة. وإذا ما استمرّت إيران في انتهاك حَرفيّة الاتّفاق النووي وروحيّته، على الولايات المتّحدة أن تكون مستعدة للتخلي عن الاتّفاق.
ويتعيّن على الإدارة الأمريكية التحرّك بسرعة أيضا لقطع الإمدادات الماليّة الإيرانية. ويجب على «مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة» التابع لوزارة الخزانة الأمريكيّة أن لا يزوّد شركتي الطيران «بوينغ» و«إيرباص» بِرُخَص لبيع طائرات إلى إيران، إلى أن تمتنع طهران عن استخدام الخطوط الجويّة الإيرانيّة وشركات طيران أخرى لنقل الأسلحة والأفراد إلى نظام الأسد و«حزب الله» في لبنان، ويجب على الولايات المتّحدة أيضا أن تستخدم نفوذها لدى الحكومة العراقيّة للحد من المجال الجوي الذي تستخدمه إيران لهذه النشاطات.
كما يتعيّن على الإدارة وضع خطوط حمراء واضحة أمام المضايقات الإيرانية المستمرة لسُفُن البحريّة الأمريكيّة في الخليج، ولشحن الأسلحة إلى اليمن وغيرها من الأنشطة الشائنة. ووفقا للجيش الأمريكي، صعّدت إيران من مضايقاتها لسفن البحريّة الأمريكيّة في الخليج. ومنح البحريّة الأمريكيّة سلطة جديدة وأكثر قوة للرد على الاستفزازات الإيرانيّة سيكون بمثابة خطوة أولى مهمّة.
وينبغي دعم الجهود الجديدة التي يبذلها كلا الحزبَين في الكونغرس، لقلب قواعد اللعبة المزعزِعة للاستقرار التي تمارسها إيران، ولعل قانون «منع زعزعة الاستقرار في العراق وسورية» لعام 2016 الذي يرعاه عضوَا مجلس الشيوخ الأمريكيّ ماركو روبيو وبوب كيسي، يشكّل أساسا قويا لذلك. فمن شأنه أن يمنح السلطة لفرض عقوبات على المنظّمات الإرهابيّة والدول الأجنبيّة، مثل إيران، «التي تهدّد سلام العراق أو سورية، أو استقرارهما» وينبغي أيضا توسيع هذه الإجراءات لتشمل حلفاء أساسيين آخرين للولايات المتّحدة في المنطقة، وسيكون لزاما على الإدارة الجديدة الحفاظ على إجماع الحزبَين في الكونغرس بأنّ الوضع الراهن في دمشق وبغداد - والدور الذي تلعبه إيران هناك - غير مقبول.
وأخيرا يجب على ترمب أن يوسّع أجندتها المتعلقة بإيران، لتشمل سلوك طهران العدائيّ وانخراطها غير الملائم في شؤون الشرق الأوسط. وستستطيع واشنطن أن تثبت لإيران أنّها تواجه مخاطر كبيرة إذا لم تغيّر سياساتها وإذا ما حاولت استئناف تسلّحها النوويّ، فقط من خلال قيام الولايات المتحدة بحملة ضغوط جديدة عليها. ومن المُرَجَّح أن تؤدي السياسات الأكثر تشددا التي تُتبع حاليا إلى تقليل مخاطر تصعيد النزاع لاحقا.
* مستشار في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى
قبَل أيام فقط من أعياد الميلاد، وبينما كان صناع القرار في الولايات المتّحدة يستعدّون للاحتفالات أجرت إيران مناورات حربيّة واسعة النطاق، وفي الوقت نفسه تقريبا، قام قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، بمسح البقايا من حلب التي تعرضت للقصف الشديد. ويبدو أن سليماني يظهر حاليا بشكل بارز حيثما ينشر الإيرانيّون ميليشيات شيعيّة لإضعاف بعض دول في الشرق الأوسط،. وسواء كانت إيران تهدّد بإشعال المنطقة أو تستخدم الميليشيات الشيعيّة كأداة لبسط سلطتها، فإنّ الولايات المتحدة تشهد نمطا من العدوان الإيرانيّ الذي تسارع خلال العام الأخير منذ بدء تنفيذ الاتّفاق النووي مع إيران.
وبينما تستعرض طهران قوّتها العسكريّة وتهدّد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ظلّ رَدّ واشنطن، للأسف، صامتا. وتجاهلت إدارة أوباما مرارا وتكرارا الطبيعة الشاملة للتهديد الإيرانيّ وتصرّفت ببرود إزاء العقوبات غير النوويّة، خشية أن تتخلى إيران - على ما يبدو - عن الاتّفاق النووي. وكنتيجة لذلك، أصبح قادة إيران أكثر جرأة، وأخذت بصمات إيران تزداد باضطراد في بعض أنحاء المنطقة، الأمر الذي يثير قلق حلفاء أمريكا التقليديّين.
لقد تحدّثنا علنا في الماضي عن مساوئ «خطة العمل المشتركة الشاملة» التي لم توقف في النهاية مسار إيران النوويّ بل أجّلته فقط - وعن الثمن الباهظ في التخلّي عن النفوذ الغربيّ ضدّ إيران، ولكي تردّ إدارة ترمب الجديدة بفعالية، لا ينبغي عليها أن تمزّق الاتّفاقيّة في اليوم الأوّل، فمن شأن ذلك أن يجعل الإجراءات الأمريكيّة هي المسألة التي تثير إشكالا وليس السلوك الإيرانيّ المهدد والمزعزع للاستقرار. وعلى الولايات المتحدة أن تعزل إيران. وتحقيقا لهذه الغاية، على إدارة ترمب اعتماد إستراتيجيّة أكثر توسّعا حيال طهران: وبالتحديد من خلال معالجة تلك القضايا الحيويّة خارج نطاق الاتّفاق، وبشكل خاصّ تدخّل إيران المزمن في المنطقة.
إن تبنّي حملة ضغط جديدة على إيران يمكن أن يساعد على عكس مجرى الأحداث، ولا تعاني الولايات المتّحدة من نقص في الوسائل للتأثير على سلوك إيران. ويشكّل فرض بنية العقوبات القائمة، بقوّة، وسيلة جيّدة كبداية.
وللمباشرة بذلك، تستطيع إدارة ترمب التحرّك بسرعة من خلال الضغط على فرض الحظر الذي وضعته الأمم المتّحدة على سفر شخصيّات أساسيّة في القيادة الإيرانيّة، مثل سليماني، كما باستطاعتها اتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران لإطلاقها صواريخ بالستيّة واستمرار شحنات الأسلحة التي ترسلها إلى اليمن، منتهكة بذلك الحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة على نقل الأسلحة إلى تلك البلاد. ومثل هذا السلوك يتحدّى مباشرة قرار الأمم المتّحدة رقم 2231، ويُعد مثالا على افتقار إيران إلى المساءلة. وإذا ما استمرّت إيران في انتهاك حَرفيّة الاتّفاق النووي وروحيّته، على الولايات المتّحدة أن تكون مستعدة للتخلي عن الاتّفاق.
ويتعيّن على الإدارة الأمريكية التحرّك بسرعة أيضا لقطع الإمدادات الماليّة الإيرانية. ويجب على «مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة» التابع لوزارة الخزانة الأمريكيّة أن لا يزوّد شركتي الطيران «بوينغ» و«إيرباص» بِرُخَص لبيع طائرات إلى إيران، إلى أن تمتنع طهران عن استخدام الخطوط الجويّة الإيرانيّة وشركات طيران أخرى لنقل الأسلحة والأفراد إلى نظام الأسد و«حزب الله» في لبنان، ويجب على الولايات المتّحدة أيضا أن تستخدم نفوذها لدى الحكومة العراقيّة للحد من المجال الجوي الذي تستخدمه إيران لهذه النشاطات.
كما يتعيّن على الإدارة وضع خطوط حمراء واضحة أمام المضايقات الإيرانية المستمرة لسُفُن البحريّة الأمريكيّة في الخليج، ولشحن الأسلحة إلى اليمن وغيرها من الأنشطة الشائنة. ووفقا للجيش الأمريكي، صعّدت إيران من مضايقاتها لسفن البحريّة الأمريكيّة في الخليج. ومنح البحريّة الأمريكيّة سلطة جديدة وأكثر قوة للرد على الاستفزازات الإيرانيّة سيكون بمثابة خطوة أولى مهمّة.
وينبغي دعم الجهود الجديدة التي يبذلها كلا الحزبَين في الكونغرس، لقلب قواعد اللعبة المزعزِعة للاستقرار التي تمارسها إيران، ولعل قانون «منع زعزعة الاستقرار في العراق وسورية» لعام 2016 الذي يرعاه عضوَا مجلس الشيوخ الأمريكيّ ماركو روبيو وبوب كيسي، يشكّل أساسا قويا لذلك. فمن شأنه أن يمنح السلطة لفرض عقوبات على المنظّمات الإرهابيّة والدول الأجنبيّة، مثل إيران، «التي تهدّد سلام العراق أو سورية، أو استقرارهما» وينبغي أيضا توسيع هذه الإجراءات لتشمل حلفاء أساسيين آخرين للولايات المتّحدة في المنطقة، وسيكون لزاما على الإدارة الجديدة الحفاظ على إجماع الحزبَين في الكونغرس بأنّ الوضع الراهن في دمشق وبغداد - والدور الذي تلعبه إيران هناك - غير مقبول.
وأخيرا يجب على ترمب أن يوسّع أجندتها المتعلقة بإيران، لتشمل سلوك طهران العدائيّ وانخراطها غير الملائم في شؤون الشرق الأوسط. وستستطيع واشنطن أن تثبت لإيران أنّها تواجه مخاطر كبيرة إذا لم تغيّر سياساتها وإذا ما حاولت استئناف تسلّحها النوويّ، فقط من خلال قيام الولايات المتحدة بحملة ضغوط جديدة عليها. ومن المُرَجَّح أن تؤدي السياسات الأكثر تشددا التي تُتبع حاليا إلى تقليل مخاطر تصعيد النزاع لاحقا.
* مستشار في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى